يقول الشاعر: كفى بك داء أن ترى الموت شافيا…..وحسب المنايا أو يكون أماني يقول يكفي من عظم المصيبة أن ترى الموت هو الشفاء، وأن تكون المنية هي الأمنية. نعم أيها الأخوة لقد تمناها ذلك الرجل المسكين الذي جاءه خبر وفاة ابنتيه وهما في عمر الزهور. الأولى زواجها بعد أشهر، والثانية في الجامعة تنتظر فارس الأحلام. أقبل ذلك الرجل وهو يصرخ بأعلى صوته ماتت! ماتت. أما الأخرى فلا تزال في المستشفى، ويرفع الرجل يديه: يارب، يارب، يارب! أتدرون بماذا يدعُ ؟ هل تظن أنه يدع بشفاء ابنته بعد ما فجع بموت شقيقتها؟ لا… والله، إنه يدع على ابنته المصابة بالموت فاستجاب الله دعائه، وما هي إلا لحظات حتى وصله الخبر أنها ماتت فحمد الله. ولكن ما القصة ؟ وما الذي جعل الوالد يدع على ابنتيه ؟ إنه العار، إنه الفضيحة التي لطخته بنزوة شيطانية من فتاة مراهقة لم تظن يوما أنها ستكون سببا في هذه الكارثة، ولكن النار من مستصغر الشرر. وكم مثلها كثير هذه الفتاة التي جعلت أمنية والدها أن تموت هي. وحسب المنايا أن يكون أماني.
تعرفت هذه الفتاة الكبيرة على شاب، وإن قلت فهو ذئب، ودارت علاقة شيطانية واتصالات هاتفية في ساعات متأخرة، وتبادلت العواطف وتداعبت المشاعر، وتأججت الشهوة عبر الأسلاك. وكانت هذه هي الخطوات الأولى، مكالمات بعد مكالمات، ولكن هل بقي الأمر على المكالمات؟ كلا…فقد نقلهم الشيطان إلى الخطوة الأخرى. لأن الشيطان يقود الإنسان خطوات: (يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين، إنما يأمركم بالسوء والفحشاء، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون). أنتقل هذا الهتاف، وهذا النداء، أنتقل إلى طلب موعد ولقاء، ولكن بدون أي شيء، مجرد رؤية ومجرد جلسة نزيهة. الثقة متوفرة، وأنا أحرص على عرضي، وأحرص على عرضك، كيف ونحن سنكون زوجين في المستقبل، لكن نجلس يرى بعضنا بعض، نحقق لنا شيء من الراحة، بهذه العبارات أغرى هذه المسكينة، وحدد لها موعدا زمانا ومكانا عبر الثقة التي تتوق إليها النفوس المريضة، ويخطط لها الأوغاد، حتى إذا وقعت الفريسة في الشباك أمسك بزمام الأمر وباع واشترى في العرض. خرجا مرارا وتقابلا تكرارا، وفي المرة الأولى وهي تركب في السيارة مدت يده من باب الفضول عليه، فقال لها: لا.. حرام عليك هذا لا يجوز… نحن الآن نستغفر الله عن هذه الجلسة. فتزداد ثقة البنت وقالت هذا الذي أثق فيه. وبعد ذلك أوقعها في شراكه ثم بدل أن تمد يدها هي أنزلها من السيارة وأدخلها في البيت ووقع معها في الفاحشة، اغتال بكارتها وأوقعها في حبائله، وصادف قلبها الخالي من ذكر الله فأحتله. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى……فصادف قلبا خاليا فتمكن. وفي مغامرته مع أختها، أردت الأخت أن تستدرج الصغيرة، أن تعلمها لتطبق لها دروسا نظرية قد أعطتها في البيت، لتطبقها عمليا في عالم الواقع. وركبت مع أختها مع العشيق وليتهما ما ركبا، فانطلقا بسيارته وأصبح لديه بدل الفريسة فريستين، وبدل العشيقة عشيقتين. ولكن الله يمهل ولا يهمل، وفي الطريق والسيارة مسرعة يقع الحادث، وتموت الكبرى في الحال، وتنقل الأخرى إلى العناية المركزة، ويدعوا عليها الأب والأم والأهل قاطبة بأن لا يبقيها، وتلحق بأختها وتموت. إنهم لا يستطيعون رأيتها أو معايشة من دنست عرضهم ونكست رؤوسهم في الرمال. إن هذا الأمر مستحيل. وأسدل الستار على مسرحية دامية فلا زواج بعد شهر، ولا فرح مدى الدهر، فقد راحت البنت ضحية والأسرة ضحية والشرف ضحية. وحسب المنايا أن يكون أماني حين ينتحر العفاف.